كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(الشُّهَدَاءُ) جَمْعُ شَهِيدٍ، وَبَيَّنَ الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّهِيدِ هُنَا مَنْ قَتَلَهُ الْكَفَّارُ فِي الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الدِّينِ «وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ مَقْتُولَ الْكَافِرِ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ شَرَفٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ قَدْ يَحْصُلُ فِي الْفُسَّاقِ، وَمَنْ لَا مَنْزِلَةَ لَهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى» وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُمُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارَ يَقْتُلُونَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّهِيدِ عَلَى الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ، قَالَ: فَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنِ الْقَتْلِ، بَلْ نَقُولُ: الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِصِحَّةِ دِينِ اللهِ تَعَالَى تَارَةً بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ، وَأُخْرَى بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، فَالشُّهَدَاءُ هُمُ الْقَائِمُونَ بِالْقِسْطِ وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي قَوْلِهِ: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [3: 18]، وَيُقَالُ لِلْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللهِ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْبَاطِلُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللهِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [2: 143].
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ الَّذِينَ يُؤَيِّدُونَ الْحَقَّ بِالشَّهَادَةِ لِأَهْلِهِ بِأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ، وَيَشْهَدُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ، وَدَرَجَتُهُمْ تَلِي دَرَجَةَ الصِّدِّيقِينَ، وَالصِّدِّيقُونَ شُهَدَاءُ وَزِيَادَةٌ.
وَأَقُولُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا حُجَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَحْوَالِ، فَالشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْمُبْطِلِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحُسْنِ سِيرَتِهِمْ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [2: 143]، مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي، وَتَفْسِيرِ (2: 140)، مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَيُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِالْحُجَّةِ، وَيَتَوَهَّمُ أَسْرَى الِاصْطِلَاحَاتِ، وَرَهَائِنُ الْقُيُودِ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، أَنَّ حُجَجَ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ هُمْ عُلَمَاءُ الرُّسُومِ حَمَلَةُ الشَّهَادَاتِ، الَّذِينَ حَذَقُوا النِّقَاشَ فِي الْعِبَارَاتِ، وَالْجَدَلَ فِي مُصَارَعَةِ الشُّبُهَاتِ، وَجَمْعَ النُّقُولِ فِي تَلْفِيقِ الْمُصَنَّفَاتِ، كَلَّا؛ إِنَّ حُجَجَ اللهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ هُمْ أَعْلَامُ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ، وَمُثُلُ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ، فَمِنْهُمُ الْعَالِمُ الْمُسْتَقِلُّ بِالدَّلِيلِ وَإِنْ سَخِطَ الْمُقَلِّدُونَ، وَالْحَاكِمُ الْمُقِيمُ لِلْعَدْلِ، وَإِنْ كَثُرَ حَوْلَهُ الْجَائِرُونَ، وَالْمُصْلِحُ لِمَا فَسَدَ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَإِنْ غَلَبَ الْمُفْسِدُونَ، وَالْبَاذِلُ لِرُوحِهِ حَتَّى يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَإِنْ أَحْجَمَ الْجُبَنَاءُ وَالْمُرَاءُونَ.
(الصَّالِحُونَ) هُمُ الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَكُونُوا حُجَجًا ظَاهِرِينَ كَالَّذِينِ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِمْ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْمُبْطِلِينَ، وَالْجَائِرِينَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هُمُ الَّذِينَ صَلَحَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْغَالِبِ، وَيَكْفِي أَنْ تَغْلِبَ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ وَأَلَّا يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ هُمْ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ، وَمَنْ أَطَاعَ اللهَ وَالرَّسُولَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ مِنْهُمْ، وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَقَدْ خَتَمَ اللهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ لابد أَنْ يَرْتَقِيَ فِي الِاتِّبَاعِ إِلَى دَرَجَةِ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ: الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أَيْ: إِنَّ مُرَافَقَةَ أُولَئِكَ الْأَصْنَافِ هِيَ فِي الدَّرَجَةِ الَّتِي يَرْغَبُ الْعَاقِلُ فِيهَا لِحُسْنِهَا، وَفِي الْكَشَّافِ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا أَحْسَنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، وَالرَّفِيقُ كَالصَّدِيقِ وَالْخَلِيطِ الصَّاحِبِ، وَالْأَصْحَابُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَاسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ الرَّفِيقَ وَالرَّسُولَ الْبَرِيدَ مُفْرَدًا اسْتِعْمَالَ الْجَمْعِ أَوِ الْجِنْسِ، وَلِهَذَا حَسُنَ الْإِفْرَادُ هُنَا، وَقِيلَ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، وَحَسُنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
وَهَلْ يُرَافِقُ كُلُّ فَرِيقٍ فَرِيقَهُ، إِذْ كَانَ مُشَاكِلَهُ وَضَرِيبَهُ، أَمْ يَتَّصِلُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْ فَوْقَهُ، وَلَوْ بَعْضَ الِاتِّصَالِ، الَّذِي يَكُونُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَضْلِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ.
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ قَالَ السُّيُوطِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَأَنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَلَّا أَرَاكَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فَإِنَّكَ لَوْ قَدِمْتَ لَرُفِعْتَ فَوْقَنَا وَلَمْ نَرَكَ، وَأَخْرَجَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَتَى فَتًى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنَّ لَنَا مِنْكَ نَظْرَةً فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَرَاكَ فَإِنَّكَ فِي الْجَنَّةِ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى اهـ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ ضَعِيفَةُ السَّنَدِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِهَا الْمُتَّصِلَةَ بِهِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ.
وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي قُرْصَانَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حَشَرَهُ اللهُ مَعَهُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالصِّحَّةِ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَقَدْ يَغُرُّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَنْفُسَهُمْ بِدَعْوَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا آيَةُ الْمَحَبَّةِ الطَّاعَةُ، وَالْآيَةُ قَدْ جَعَلَتْ هَذِهِ الْمَعِيَّةَ جَزَاءَ الطَّاعَةِ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [3: 31]، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ.
{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ} فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَعْنَى ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ جَزَاءِ مَنْ يُطِيعُ اللهَ وَرَسُولَهُ هُوَ الْفَضْلُ الْكَامِلُ الَّذِي لَا يَعْلُوهُ فَضْلٌ، فَإِنَّ الصُّعُودَ إِلَى إِحْدَى تِلْكَ الْمَرَاتِبِ فِي الدُّنْيَا وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ مُرَافَقَةِ أَهْلِهَا وَأَهْلِ مَنْ فَوْقَهَا فِي الْآخِرَةِ هُوَ مُنْتَهَى السَّعَادَةِ، فِيهِ يَتَفَاضَلُ النَّاسُ فَيَفْضُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ مِنَ اللهِ تَفَضَّلٌ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَثَانِيَهُمَا: أَنَّ الْمَعْنَى: ذَلِكَ الْفَضْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ جَزَاءِ الْمُطِيعِينَ هُوَ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
وَيَرَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ الْفَضْلِ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَزَاءً وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً عَلَى الْجَزَاءِ، سَمِّهِ جَزَاءً أَوْ لَا تُسَمِّهِ هُوَ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ.
{وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا} وَكَيْفَ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِعِلْمِهِ بِالْأَعْمَالِ وَبِدَرَجَةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَبِمَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ مِنَ الْجَزَاءِ، وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى لِلْجَزَاءِ الْوِفَاقِ وَالْجَزَاءِ الْفَضْلِ وَلِزِيَادَةِ الْفَضْلِ، ذَلِكَ كُلُّهُ تَابِعٌ لِعِلْمِهِ الْمُحِيطِ! فَهُوَ يُعْطِي بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَيَشَاءُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ، فَالتَّذْكِيرُ بِالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ فِي آخِرِ السِّيَاقِ يُشْعِرُنَا بِأَنَّ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِنَا وَنِيَّاتِنَا لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ، لِيُحَذِّرَ الْمُنَافِقُونَ الْمُرَاءُونَ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فَيَتُوبُونَ، وَلْيَطْمَئِنَّ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ، لَعَلَّهُمْ يَنْشَطُونَ وَيَزْدَادُونَ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْكَلَامُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [4: 36]، فِي مَوْضُوعٍ خَاصٍّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْيَتَامَى مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالْإِرْثِ، وَالْآيَاتُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَاعْبُدُوا اللهَ} الْآيَةَ إِلَى هُنَا فِي مُطَالَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ بَيْنَ الْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ وَالْأَرِقَّاءِ وَسَائِرِ النَّاسِ، وَأَحْكَامِ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ تَثْبِيتِ النَّفْسِ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَضَرَبَ لَهُمْ فِيهَا مَثَلَ الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ يَهْتَدُونَ بِهِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يَعْمَلُونَ بِأَمْرِهِمْ بِرَدِّ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ وَرَدِّ مَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَكَّدَ أَمْرَ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَبَيَّنَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ التَّحَاكُمَ إِلَى الطَّاغُوتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا عَمِلُوا بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ صَلُحَ حَالُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاسْتَقَامَتْ أُمُورُهُمْ وَصَارُوا مُتَّحِدِينَ مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ وَحِفْظِ الْجَامِعَةِ، وَوَثِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَالدِّفَاعِ عَنْ حَقِيقَتِهِمْ، فَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْوَصَايَا انْتِظَامُ شَمْلِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحُ أُمُورِهِمُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.
بَعْدَ بَيَانِ هَذَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُوَجِّهَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ يَلِي اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَاحِدَةٍ وَانْتِظَامِ شُئُونِهِمْ وَصَلَاحِ حَالِهِمْ، وَهُوَ مَا يَتِمُّ لَهُمْ بِهِ الْأَمْنُ وَحُسْنُ الْحَالِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ التَّنْزِيلِ أَعْدَاءٌ يُنَاصِبُونَهُمْ وَيَفْتِنُونَهُمْ فِي دِينِهِمْ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتِمُّ لَهُ نِظَامٌ فِي مَعِيشَتِهِ وَلَا هَنَاءٌ وَلَا رَاحَةٌ إِلَّا بِالْأَمْنَيْنِ كِلَيْهِمَا: الْأَمْنُ الدَّاخِلِيُّ، وَالْأَمْنُ الْخَارِجِيُّ، فَلَمَّا أَرْشَدَنَا اللهُ إِلَى مَا بِهِ أَمْنُنَا الدَّاخِلِيِّ أَرْشَدَنَا إِلَى مَا بِهِ أَمْنُنَا مَعَ الْخَارِجِينَ عَنَّا الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي دِينِنَا، وَذَلِكَ إِمَّا بِمُعَاهَدَاتٍ تَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نَطْمَئِنُّ بِهَا عَلَى دِينِنَا وَأَنْفُسِنَا وَمَصَالِحِنَا، وَإِمَّا بِاتِّقَاءِ شَرِّهِمْ بِالْقُوَّةِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ كَمَا يَأْتِي.
أَقُولُ: كَانَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى بَيَّنَ لَنَا أَصْلَ الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي آيَةِ الْأَمَانَاتِ وَالْعَدْلِ، وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} إِلَخْ، وَكَانَ قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَثِيرًا مِنْ مُهِمَّاتِ الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ وَالشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ- كَمَا يُقَالُ فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ- ثُمَّ شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَرْغَبُ عَنْ حُكْمِ الرَّسُولِ إِلَى حُكْمِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الطُّغْيَانِ، بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ لَنَا بَعْضَ الْأَحْكَامِ الْحَرْبِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَيُبَيِّنُ لَنَا الطَّرِيقَ الَّذِي نَسِيرُ عَلَيْهِ فِي حِفْظِ مِلَّتِنَا وَحُكُومَتِنَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ الْمُحْكَمَةِ الْحَكِيمَةِ مِنَ الْأَعْدَاءِ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا فَقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} قَالَ الرَّاغِبُ: الْحَذَرُ- بِالتَّحْرِيكِ- احْتِرَازٌ عَنْ مُخِيفٍ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ: مَا فِيهِ الْحَذَرُ مِنَ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ اهـ، وَظَاهِرُهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَذَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَالْحِذْرِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْحَذَرَ وَالْحِذْرَ الْخِيفَةُ، وَمَنْ خَافَ شَيْئًا اتَّقَاهُ بِالِاحْتِرَاسِ مِنْ أَسْبَابِهِ قَالَ فِي الْأَسَاسِ: رَجُلٌ حَذِرٌ مُتَيَقِّظٌ مُحْتَرِزٌ وَحَاذِرٌ مُسْتَعِدٌّ، وَقَالَ الرَّازِيُّ: الْحَذَرُ وَالْحِذْرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْإِثْرِ وَالْأَثَرِ وَالْمِثْلِ وَالْمَثَلِ، يُقَالُ: أَخَذَ حَذَرَهُ إِذَا تَيَقَّظَ وَاحْتَرَزَ مِنَ الْخَوْفِ كَأَنَّهُ جَعَلَ الْحَذَرَ آلَتَهُ الَّتِي يَقِي بِهَا نَفْسَهُ، وَالْمَعْنَى: احْذَرُوا وَاحْتَرِزُوا مِنَ الْعَدُوِّ وَلَا تُمَكِّنُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الْوَاحِدِيِّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ السِّلَاحُ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَعْنَى: احْذَرُوا عَدُوَّكُمْ، وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْحَذَرَ الْخِيفَةُ وَيَلْزَمُهُ الِاحْتِرَازُ وَالِاسْتِعْدَادُ.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْحَذَرُ وَالْحِذْرُ: الِاحْتِرَازُ وَالِاسْتِعْدَادُ لِاتِّقَاءِ شَرِّ الْعَدُوِّ وَذَلِكَ بِأَنْ نَعْرِفَ حَالَ الْعَدُوِّ وَمَبْلَغَ اسْتِعْدَادِهِ وَقُوَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَعْدَاءُ مُتَعَدِّدِينَ فَلابد مِنْ أَخْذِ الْحَذَرِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ، وَأَنْ تَعْرِفَ الْوَسَائِلَ لِمُقَاوَمَتِهِمْ إِذَا هَجَمُوا، وَأَنْ يُعْمَلَ بِتِلْكَ الْوَسَائِلِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ لابد مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا أَنِسَ غِرَّةً مِنَّا هَاجَمَنَا، وَإِذَا لَمْ يُهَاجِمْنَا بِالْفِعْلِ كُنَّا دَائِمًا مُهَدَّدِينَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ نُهَدَّدْ فِي نَفْسِ دِيَارِنَا كُنَّا مُهَدَّدِينَ فِي أَطْرَافِهَا، فَإِذَا أَقَمْنَا دِينَنَا أَوْ دَعَوْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ حُدُودِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لابد أَنْ يُعَارِضَنَا فِي ذَلِكَ، وَإِذَا احْتَجْنَا إِلَى السَّفَرِ إِلَى أَرْضِهِ كُنَّا عَلَى خَطَرٍ، وَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [8: 60]، إِلَخْ، وَعَلَى النُّفُوسِ الْمُسْتَعِدَّةِ لِلْفَهْمِ أَنْ تَبْحَثَ فِي كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ.
وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ حَالِ الْعَدُوِّ، وَمَعْرِفَةُ أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ، طُرُقِهَا وَمُضَايِقِهَا وَجِبَالِهَا وَأَنْهَارِهَا، فَإِنَّنَا إِذَا اضْطُرِرْنَا فِي تَأْدِيبِهِ إِلَى دُخُولِ بِلَادِهِ فَدَخَلْنَاهَا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ لَهَا كُنَّا عَلَى خَطَرٍ، وَفِي أَمْثَالِ الْعَرَبِ: «قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا»، وَتَجِبُ مَعْرِفَةُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى إِذَا هَاجَمَنَا فِيهَا لَا يَكُونُ أَعْلَمُ بِهَا مِنَّا.
وَيَدْخُلُ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَالْحَذَرِ مَعْرِفَةُ الْأَسْلِحَةِ وَاتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْهَنْدَسَةِ وَالْكِيمْيَاءِ وَالطَّبِيعَةِ وَجَرِّ الْأَثْقَالِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، ذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحَذَرَ، أَيْ: وَلَا يَتَحَقَّقُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْوِقَايَةُ وَالِاحْتِرَازُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِحَسَبِهِ، يُرِيدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ اتِّخَاذُ أُهْبَةِ الْحَرْبِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ مِنَ الْمَدَافِعِ بِأَنْوَاعِهَا وَالْبَنَادِقِ وَالْبَوَارِجِ الْمُدَرَّعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ وَآلَاتِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ الْمَنَاطِيدِ الْهَوَائِيَّةِ وَالطَّيَّارَاتِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِصُنْعِ هَذِهِ الْأَسْلِحَةِ وَالْآلَاتِ وَغَيْرِهَا وَمَا يَلْزَمُ لَهَا، وَالْعِلْمُ بِسَائِرِ الْفُنُونِ وَالْأَعْمَالِ الْحَرْبِيَّةِ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ الْأُخَرِ كَتَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ وَخَرْتِ الْأَرْضِ.